مقالات و دراسات وابحاث في تاريخ الفلسفة
الفسلفة التحليلية /برتراند روسل نموذجا
- This topic has 0 replies, 1 voice, and was last updated 2 years, 2 months ago by
Youhana Bidaweed.
-
AuthorPosts
-
July 15, 2021 at 2:04 pm #246
Youhana Bidaweed
Keymasterالفسلفة التحليلية / الفيلسوف
الفلسفة التحليلية
الجزء الثاني – برتراند روسل نموذجا Russel Bertrand And Analytic philosophy Exampleبقلم: يوحنا بيداويد
برتراند رسل – سيرته
يعد برتراند روسل البريطاني (1872- 1970م) من أهم الفلاسفة والعلماء في الرياضيات والمنطق الذين تركوا أثرا كبيرا في القرن العشرين من خلاله اهتماماته ومشاركاته الفكرية في القضايا الاجتماعية والسياسية وغيرها، حيث نال بسبب هذه المواقف الجريئة والعطاءات الإنسانية جائزة نوبل للسلام عام 1950. ترك كتبا ومؤلفات وأبحاث عديدة وقيمة في شتى مجالات المعرفة الإنسانية، ويعد كتابه “تاريخ الحضارة الغربية” من أهم الكتب عن تاريخ الفلسفات والأديان ([1]). اشتغل في فلسفة اللغة والمنطق الرياضيات بجانب مشاركاته في حقول أخرى من المعرفة. شارك بتأسيس علم الرياضيات الحديثة مع زميله الفيلسوف وايتهيد (1862-1947) وألف كتاب “مبادئ المنطق أو أصول الرياضيات” في ثلاثة أجزاء عام 1910 – 1913 والذي يعد من الكتب الأساسية في علم الرياضيات الحديثة. لهذا هو من أهم رواد بناء الفلسفة العلمية الحديثة وايجاد اللغة المتعالية أو المثالية. والآن أصبح من المؤكد ان الفلسفة التحليلية هي التي أدت إلى ظهور المنعطف اللغوي وبالتالي تحولت دراسة اللغة إلى أحد المواضيع الفلسفية الحديثة المهمة (تحليل اللغة)، لا سيما بعد ان تناولها بالتفضيل الفيلسوف فيتغنشتاين.
الفيلسوف روسل اثبت أن الرياضيات البحتة يمكن ان تستنبط من مسلمات علم المنطق تمامًا، وباستخدام المفاهيم التي تعرف بالمصطلحات المنطقية البحتة.
أهمية روسل كأحد الفلاسفة الكبار في القرن العشرين تأتي أيضا من وضعه مبادئ المنطق الرمزي، فبعد ان انتهى من تأليف كتابه (مبادئ المنطق) ([2])، عمل مع الفيلسوف النمساوي- الفرنسي فيتغنشتاين في تحليل اللغة ومحاولة تأسيس (لغة مثالية)، ثم توجه إلى تحليل المنطق نفسه.
كان الهدف الرئيسي لروسل اقامة صرح للفلسفة العلمية على غرار افكار الفلاسفة الوضعيين (اوغست كونت)، فهو يظن حينما يتم فحص وتحليل المشاكل الفلسفية، سنجد مساران الأول عدم وجود مشكلة على الاطلاق، والثاني انها مشكلة مركبة من المنطق واللغة، أي استخدام معنى خاطئ لمفهوم خاطئ. اما وسائل التحليل عند روسل هي المبادئ والقواعد التي هي موجودة في المنطق التي تساعده على تحليل القضية أو الموضوع. غالبا روسل يتجه عكس الفيلسوف جورج مور وفكرة الحس المشترك، لهذا طالب بإنشاء اللغة المتعالية. لان بحسب رائيه ان لغة الحس المشترك مشوه لعدة أسباب مثل عدم وجود حدود لمعنى الكلمة أية خصوصية لها، لهذا رأها لغة سطحية، فجة مملوءة من الأخطاء ([3]).
كانت عملية تحليل القضايا تتم عند روسل بإعطاء تعريف من خلال إحصاء صفات أو خواص المركب خارجيا إذا كان الموضوع عن الاشياء، وسياقا أي استبدال رمز لغوي برمز اخر تجريدي. والتحليل عند روسل هو ثلاثة انواع هي: أولا “التوضيحي” الذي يعطي تقرير وصفي أو تصورات عن أي قضية أو مفهوم، بالتالي ليست قريبة من الواقع أو لا يحسم القضية. ثانياً التحليل “الفلسفي” يقود المحلل إلى كشف الوهم الموجود حول القضية بسبب عجز اللغة وينتهي الأمر بالإنسان أمام خيارات عديدة. وثالثا التحليل “اللغوي” الذي يتم فيه استبدال الرموز المتماهية أو الاحالة.
اكتشف روسل من خلال تحليله للغة، انها تعيق عمله في دراسة المنطق لانها ليست بدرجة اللغة المتعالية المنشودة، فادخل بعض التعديلات عليها، لان روسل اثناء دراسته للمنطق، وجد هناك فرق بين الاشارة إلى قضية لها قضايا جزئية متعددة وبين قضية لا تعبر إلا عن نفسها، أي واقعة واحدة [4].
المنهج التحليلي الذي تبعه روسل في فلسفته كان معتمدا على ثلاثة سمات أو مواصفات هي “الشك” أي الشك في التفسيرات القبلية والمقولات والنظريات التي سبقته حتى وان كانت في العصر الحديث، و”طبيعة النتائج” كان يعول كثيرا على نتائج التحليل الفلسفي بل اعتبرها قريبة من نتائج البحث العلمي. أن ابتعاده عن الانساق الفلسفية الذي تعتبر له نقطة ايجابية في تاريخه الفلسفي([5]) . حسب روسل معظم المفاهيم “الكائنات المجردة” التي اتت في تاريخ الفكر الانساني كان مصدرها الاستدلال، بينما هو يحاول ايجاد البرهان على وجودها من خلال التحليلي وبالأخص التحليل المنطقي واللغوي، وفي حالة عدم امكانية ايجاد أي استدلال منطقي لها يحاول إلى الغائها، هي نفس نتيجة التي وصلها فيتغنشتاين حيث قال ” ان ما يمكن قوله على الاطلاق، يمكن قوله بوضوح، وما لا يمكن التحدث عنه، يجب ان نتجاوزه بصمت!!”. وهنا يلجأ روسل إلى ان يطبق قاعدة الفيلسوف وليم اوكاما “نصل اوكاما ” ([6]).اختلافات بين نهجي روسل و مور في التحليل الفلسفي
أولا- دور اللغة في الفلسفة التحليلية
في تحليليه اعتبر جورج مور الحس المشترك بمثابة كوجيتو التي وضعه ديكارت قبله بثلاثة قرون، فكل عبارة أو قضية تكون مقبولة لدى الراي العام (المجتمع الشعبي) هي أصدق من افكار ونظريات الفلاسفة المبنية على الاجتهاد أو النظرة الفردية التي اعتبرها كاذبة. جاء موقف جورج مور بهذه الشدة من الرفض لانه كان معارضا كبيرا للفلسفة المثالية بالأخص لأفكار زعيمها المطران جورج بيركلي التي لا تؤمن بوجود الشيء حينما ما لم يتم إدراكها.
يتفق روسل مع مور، بأن الطريق إلى حل القضايا الفلسفية يعتمد كليا على المنطق دائما، وليس بالبحث عن المزيد من المعلومات أو جمعها، لهذا يظن التركيز على الحس المشترك واللغة العامة التي يستخدمها الناس في الشارع يقود إلى الحقيقة. ومور هنا لا يقصد استخدام اللغة في التحليل المتعلق بتحليل الجمل وانما تحليل المعاني والحس الذي يخص الظواهر من الناحية الخارجية أو العالم الواقعي أو الوصف الخارجي. لان تحليل الجمل يحيلنا إلى آراء علماء النفس التحليلي الذي ينتهي إلى بموقف فيه الكثير من التأويلات، لهذا المعرفة الصحيحة عند مور تأتي من الحس المباشر الذي يشترك في معظم الناس أو العامة، كأنما مور هنا يؤكد على صحة النظرية الاشراقية للقديس اوغسطينوس بنظرة ضيقة.
على الرغم من ان جورج مور وبرتراند روسل كلاهما يعتبر اللغة مصدر مهم لكشف الحقيقة، أو أي قضية، الا انهم يختلفان في طريقة توظيف اللغة لهذه المهمة ([7])، فاللغة العامة براي روسل عاجزة عن نقل الحقيقة لهذا يجب وضع لغة رمزية متعالية تساعد المنطق على تحليل القضايا. أي استخدام جمل وصفية تنطق أو تصف الظاهرة بدقة. روسل يظن ان الحس المشترك لا يحمل دقة في وصف القضايا، يكون صحيحا حينما يكون هناك لفظة واحدة لكل قضية، بعد ان يتم غربلتها من الاستخدامات المتعددة للمواضيع المتقاربة أو المشتركة في بعض المظاهر أو الخواص. لهذا مال روسل إلى تفضيل واستخدام الصورة المنطقية الحقيقية للعبارة والصورة النحوية- اللغوية أو الظاهرية للعبارة ([8]).ثانيا- صيغة العلاقة بين المعرفة والواقع
روسل كما قلنا رفض نظرية الحس المشترك، بل اعتبر علاقة الواقع مستقة تماما من المعرفة، كأنما هنا نجد روح انسليم ودكارت وسبينوزا في طريقة تفكيره، فهو يريد يحلل الواقع بالمنطق وليس بحسب معاني الكلمات التي يشترك عامة الناس في استخدامها. لان نمو أو تجمع المعرفة عند العقل الجمعي عند عامة الناس بطيء مقارنة بالمهتمين والمختصين أو المفكرين. روسل أيضا رفض المقولات الفطرية لعمانوئيل كانط التي كانت بمثابة مسلمات اقليدس الرياضية في تفسير نظرية المعرفة.ثالثا- حدود وأهمية المعرفة
نجد مور يؤكد بان زيادة المعرفة والبحث في أي قضية لا يساعد على ايجاد الحل لها، بينما روسل يذهب إلى عكس الاتجاه ويرى كلما زادت المعرفة عند الانسان كلما زادت ادواته ومعلوماته في التحليل والحصول على النتائج الصحيحة، فرجوع إلى أصل المفردة أو لفظها عند روسل قد يقود إلى معلومة مهمة هكذا عن البديهيات أو المقولات أو الرموز والمفاهيم فتتجلى العلاقات بينها أكثر فأكثر بتفكيكها وإعادة الربط بينها، وهذه هي مهمة الفلسفة التحليلية. وهذا يدفعنا إلى حذف الكثير من المفاهيم التي كانت تسبب اللغط وسوء الفهم بين العلماء والعامة، وبالتالي يضطر العلماء والمهتمين تأسيس للغة متعالية لها كفاءة أكثر ومفاهيم أقرب إلى الواقع وطرق رياضية التي تكون أكثر شمولية من المفاهيم السابقة.نقد وتقيم فلسفة روسل
كان روسل إنسانا متعطشا إلى المعرفة أكثر من أي فيلسوف آخر في التاريخ الحديث، حتى وصل إلى مصافي أرسطو وأفلاطون في هذا المجال، نستنتج ذلك من خلال اهتماماته العديدة في الفلسفة والرياضيات واللغة والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس والسياسية وغيرها، له مؤلفات واراء في كل هذه المجالات وهو يشترك في تأسيس علم الرياضيات الحديث، والمنطق، تحليل اللغة، وهو من الدعاة إلى انشاء لغة رمزية متعالية تساعد الناس على فهم بعضهم للآخر بصورة اوضح وأدق. روسل لم يكن يؤمن بالمفاهيم الميتافزيقية لانها غير خاضعه للتجربة والفحص فهو من هذا الباب ملحد ولكن له مواقف إنسانية جريئة قلما وقفها علماء أو فلاسفة في التاريخ، حيث قاد مسيرات ضد استخدام السلاح النووي بعد ضربة هيروشيما ونكازاكي بعد ان رأى الدمار الذي تركه هذا السلاح.الهوامش:
[1] من أهم الكتب الأخرى هي ” أصول الرياضيات، النظرة العلمية، العلم والدين، حكمة الغرب، بحث في المعنى والصدق، مشكلة فلسفية، اثر العلم على المجتمع، السلطة والفرد وغيرها.
[2] وأحيانا يقال عن كتابه “مبادئ الرياضيات”. الفلسفة التحليلية “ماهيتها، مصادرها، مفكروها”، أحمد عبد الحليم عطية، الطبعة الاولى، المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، لبنان 2019، ص 69.
[3] نفس المصدر، ص 85.
[4] مجموعة رياضة تتكون من عنصر واحد فقط
[5] نفس المصدر ص 87.
[6] فيلسوف القرون الوسطى (1299-1348)، والمبدأ الذي وضعه يدعى بمبدأ التعيير أو التقدير أو التبسيط ينص ” عدم الإكثار من الموجودات بغير مسوغ”.
[7] الفلسفة التحليلية “ماهيتها، مصادرها، مفكروها”، احمد عبد الحليم عطيه، الطبعة الاولى، المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، ص 80
[8] نفس المصدر، ص 85.
تعديل المشاركة-
This topic was modified 2 years, 2 months ago by
Youhana Bidaweed.
-
This topic was modified 2 years, 2 months ago by
-
AuthorPosts
- You must be logged in to reply to this topic.