حينما وقفنا امام تمثال كلكامش والثور المجنح وتمثال حمورابي!!!
يوحنا بيداويد
اذا كان هناك من له الحق يفتخر بتاريخ حضارة اجداده فلن يكن سوانا ، واذا كان الله انعم على شعب ما في التاريخ بخيرات فليس غيرنا، واذا كانت هناك مسيحية شعب ما تجذرت بينابيع الايمان الاصيلة، فلن يكونوا سوى ابناء كنيستنا الشرقية. ولكن اذا كان لشعب ما قدر سيء، فلن يكن اسوء من قدرنا ايضاً!!!!
هذا الشعور وهذه الافكار راودتني حينما قررنا الخروج من متحف لوفر الشهير في باريس دون الاستمرار في زيارة بقية اقسام المتحف الذي يخص معظم شعوب العالم، على اثر الاحباط الذي حل بنا حينما اطلعنا لاول مرة عن اثار اجدادنا العظام هناك. حدث هذا حينما كنا في زيارة الى متحف لوفر في باريس مع بعض اصدقاء اعزاء بمناسبة وجودنا في فرنسا في مخيم الاصدقاء الثاني في تموز الماضي.
كنا قررنا مبدئياً منذ الصباح زيارة جميع اقسام المتحف، لا سيما قسم حضارة وادي الرافدين Mesopotomia، ولكن حينما وصلنا الى باحة المتحف لم نعرف مكان مدخله من سعة كبره وكثرت بناياته الموجودة حولنا، وفي النهاية علما ان المدخل هو من خلال هرم زجاجي في وسط الباحة، وبعد مرور اكثر من نصف من وقوفنا في صف طويل من الناس يتنظرون دورهم للتفتيش قبل الدخول، نزلنا الى طابق ارضي لنجد باحة اخرى اصغر من الاولى ولكنها لها سقف يمتد تحت الارض، فيها الكثير من المطاعم والمكتبات وشابيك لبيع البطائق ومداخل للاقسام المختلفة .
كنا متلهفين ان نرى قسم الذي يخص تاريخنا الذي قرأنا وسمعنا في كتب التاريخ او راينا صورهم او مخططات عنهم، وقفنا طويلا امام الحاويات الزجاجية الكبيرة التي تحوي على القطع الاثرية ذات احجام مختلفة وقراءة التعاريف والملاحظات المدونة عن كل رقيم او لوحة او تمثال او مسلة ، حينما كنا نقف امام التماثيل العملاقة من كلكامش بطل اقدم اسطورة مدونة في تاريخ الانسانية او تمثال لماسو الثور المجنح المرعب بارجله الخمسة او تمثال حمورابي امام اله الشمس وهو يستلم او قانون انساني مدون او بجانب صورة اسد من جدران مدينة بابل القديمة التي كانت تضاهي باريس ولندن ونيويورك في مدنيتها في عالم القديم وغيرها من التحفايت النادرة غرفنا لماذا كتب هذا القدر عن تاريخ حضارة وادي الرافدين وغرفنا لماذا كانت تنحني الانسانية لعظمتها و كما توقعنا انه يرجع الى الدور الذي لعبته في تقدمها تطورها لا سيما الكتابة والعجلة والرياضيات وعلم الفلك والمصارف .
، جلسنا انا و صاحبي من شدة التعب على اريكة ضيقة كانت موضوعة في مرمر احدى القاعات الكبيرة والعديدة. هنا راح احد اصاحبي يرفع صوته بهدوء متذمرا ومعاتبا المارين قائلاً بلغتنا السريانية : ” ايها الزائرون، ايها المتجولون في هذه المكان،هذا هو ارث اجدادنا، نحن اصحابه، هذه انجازاتهم العظيمة، هذه هي الحروف الاولى التي خطتها ايادي الانسان التي ترونها، كانت بأيادي اجدادنا، ومنهم تاسست العلوم وانتشرت مثل الرياضيات والنحت والهندسة والفلك وفن الصيد وعظمة الجيوش التي اشتهروا بها. واليوم نحن جالسون هنا غرباء لا يعرف ولا يعترف بنا احد. وشعبنا يسحق ويهجر ويضيع على اثر تيارات وبراكين السياسة الدولية الهمجية او البربرية المتعاكسة”.
في طريقنا ونحن نعبر شارع شانزيه ليزي الشهير الذي تقيم فرنسا استعراضا كبيراً في 14 تموز من كل سنة بذكرى قيام الثورة الفرنسية لتروي عظمة تاريخها قلت لاصحابي: ” اعتقد من المفروض ان لا نعاتب او نشجب الدول الغربية مثل فرنسا والمانيا وبريطانيا على نقل او سرقة اثار اجدادنا و جلبها الى هنا ، بل من المفروض نشكرهم على حمايتها ، حماية ارث اجدادنا الذي هو الختم الوحيد ( او البصمة التي يريد البعض سرقتها منا) التي نملكها عن اصلنا وهويتنا و الوطن. نشكرهم على حملها ووضعها في اماكن امينة ومصانة محترمة عوضا عن عرضها للسرقة و التكسير و التدمير او طمرها الى الابد. يليق بها ان تكون في هذا المتحف بجانب ارث جميع الامم والشعوب الاخرى. لان لو كانت هذه القطع والتماثيل والمسلات بقت في ارض الوطن لكانت اندثرت وزالت من الوجود واختفى ماضينا ، الامر الاخر المهم الذي يجب ان نتذكره ايضاً ، ألم تلاحظوا كم من الغرباء كانوا يتجولون في جناح حضارة وادي الرافدين ويلتقطون الصور بجانب تمالثيله أليس هذا اعترافاً منهم بسبب عظمتها ودورها الريادي في خدمة الانسانية ”
ثم اردفت قائلا: ” ثم ماذا بقى من حضارة العربية التي دامت اكثر من 500 سنة في بغداد في زمن العباسيين ، ألم يتهم هدم كل صرح تاريخي او ديني او ثقافي من قبل السلطة الحاكمة التي جاءت من بعدهم ، حيث كانت تزيح بالقوة السلطة الموجودة كل ما يعود للسلطة التي قبلها ومن ثم تقوم بمحي اثار وتاريخ هذه السلطات من الوحود، حتى سور بغداد الشهير تم هدمه قبل 140 سنة (في زمن مدحدت باشا) بسبب خطر مرض الكوليرا الذي كان تنتجه الفضلات التي كانت تُرمي خلفه!!”
كالعادة نحن نقول نصف حل مشكلتنا هي داخلية وان لم نستطيع حلها اذا لا نلوم إلا انفسنا ، و ما الذي يفرقنا عن غيرنا من الامم والشعوب في المنطقة ؟ اذا كان اجدادنا عظماء واصحاب هذه الحضارة اين نحن منها؟ ما الذي انجزناه خلال العقود والسنيين الاخيرة سوى زيادة الشرذمة على اثر الصراع على التسميات ومحاولة احتواء الاخر بل بلعهم ، وإلا ماذا يقصد الاخوة الذين كانوا وراء نصب تمثال لشهداء مذابح في الحرب العالمية الاولى على يد العثمانيين بإسم شهداء الاشوريين والسريان ويستثنون ذكر شهداء الكلدان من ابناء جلدتهم، يعني الكراهية موجودة في قلوبنا ختى بخصوص الشهداء!! ، لماذا يحول البعض غمض عيونهم عن الحقيقية ، وهل هناك من يستطيع نكران الوثائق . لماذا لم يذكروا استشهاد 50 الف كلداني مع زوال 6 ابريشيات موثقة بقلم المثلث الرحمات مار عمانوئيل الثاني يوسف توما في رسالة موجهة الى الحكومة الفرنسية في 20 كانون الثاني 1920 خلال الحرب العالمية الاولى ، في حين نرى احزابنا السياسية لازالوا في نفاق وصراع سياسي غريب من اجل الحصول على اكبر حصة من الكعكة والكرسي. اين دور الحكماء والعقلاء ورجال المؤمنيين العظماء في توحيد الرؤية امام شعبنا ام شعوبنا. وختاما لن اقول سوى كلمة واحدة: ” إن لم تتحدوا، احفروا القبور من الان!! ”
بقلم يوحنا بيداويد
ملبورن – استراليا
20 اب 2013